صحيح ان عملية التطويب قديمة ، ولكنها عادة ما تجري لأهداف سياسية
خفية ضمن توقيت معيّن ترتبط بالدوائر الخفية العليا وفي أغلب
الاحيان يُعلن اثناء مراسيم التطويب عن الهدف من وراء هذه العملية
التي يقوم الفاتيكان برفع الناس من رتبة البشر إلى رتبة الإله
المعصوم (الشفيع) الذي تجري المعجزات العجائبية الشفائية على يديه
مثل احياء الموتى وغيرها.
والتطويب هي المرحلة الثالثة من الخطوات الأربعة لعملية تقديس شخص
متوفى، يتم اختياره من قبل البابا باسم الكنيسة الكاثوليكية. يطوب
الكاهن عندما تتحقق معجزة على يديه ، ويجب ان تتكرر معاجز الشفاء أو
احياء الموتى على يديه فيتم اعلان قداسته.(1)
وغالبا ما تكون عملية تطويب القديسين مؤتمرا حاشدا عاما تُعلن من
خلاله بعض التوجهات السياسية والاقتصادية ذات المرامي الهادفة
لاسقاط بعض الانظمة او تحقيق بعض الاهداف ذات المرامي الشخصية كما
ستقرأ في ثنايا البحث. (2)
والتطويب استند على آية في الكتاب المقدس وردت في رسالة يعقوب 5 :
11 (( ها نحنُ نُطوب الصابرين. قد سمعتم بصبر أيوب ورأيتم عاقبة
الرب. لأن الرب كثير الرحمة رؤوف)).(3)
المتمعن بالنص جيدا يرى أن عملية (التطويب = اكرام او تكريم ) الشخص
تتم عبر الله فقط ، الله هو من يعطي الكرامة ويختار من الناس من
يصلح ان يكون شفيعا تجري على يديه المعجزات والنص واضح لا غبار عليه
(( ها نحنُ نُطّوب)) ولكن كعادة الكنيسة في سلب الله حقه والقيام
بدوره على هذه الارض.
ولربما تكون مسألة التطويب مسألة سهلة إذا ما قارناها بقيام الكنيسة
بسلب الله حقه في كثير من الامور والتدخل في احكامه والتي منها :
(غفران ذنوب البشر ، تنصيب القديسين ــ التطويب ــ وحرمان المذنبين
من الايمان وطردهم من الدين ــ التحريم ــ ، تعيين الشاذين قساوسة
وغفران مخازيهم ، إقرار الكنيسة للقتل الرحيم الذي تُسلب فيه الروح
من المريض، في مخالفة صريحة وخادشة لامانة النصوص المقدسة التي تقول
: (ان الروح من الله ولا يسلبها إلا هو).
فعملية سلب الله سلطاته لا تزال مستمرة إلى يومنا هذا وبالتدريج
ونقلها إلى سلطة البشر (البابا) إلى ان يتم تجريد الله من كامل
صلاحياته وركنه في المتاحف وتصبح عبادة البشر هي السائدة (ألست
ارزقكم واحكمكم والنبيل بين يدي فأنا ربكم .... ما أرى لكم من إله
غيري).
مع أن الرب بيّن ذلك في كتابه وحذرهم ووضع الحدود لهم بأن لايسلبوه
سلطاته وينتحلوها ولكنهم لم يلتزموا بذلك . كما نرى ذلك واضحا في
سفر ملاخي 3 : 6 ((لأني أنا الرب لا أتغير أيسلبُ الإنسان الله ؟
فإنكم سلبتموني لقد لعنتم لعنا وإياي انتم سالبون ، قلتم عبادة الله
باطلة، وما المنفعة من أننا حفظنا شعائره، والآن نحن مُطوبون
المستكبرين وأيضا فاعلو الشر)).
ايوجد اوضح من هذه الادانة من قبل الله لهؤلاء الذين يُطوبون
المستكبرين والاشرار ويرفعوهم إلى مرتبة الشفعاء الذين يُحييون
الموتى ويسلبون الحياة؟؟؟
ولكن مع كل ذلك نرى في هذا اليوم تجري عملية تطويب غشومة ظالمة
لإثنين من اعتى المجرمين هما البابا يوحنا الثالث والعشرون ،
والبابا يوحنا بولس الثاني (4) ورفعهما إلى مصاف القديسين الشفعاء
حيث زعموا أن الكثير من المعاجز جرت على أيديهم حتى أنهم نسبوا إلى
الأخير احياءه لشخص ميّت.(5) ولكن في الحقيقة فإن اكبر المعاجز التي
جرت على أيدي هؤلاء هي الحرب العالمية الثانية عندما كان البابا
كردينالا متسلطا واسقاط الشيوعية لصالح الرأسمالية الغربية على يد
يوحنا بولس الثاني وقيامه بالتحريض على الحرب في يوغسلافيا لابادة
المسلمين واشعاله للفتنة بين إيران والعراق وضرب افغانستان وتسببه
في احتلال العراق وتدميره من اجل احياء مجد كنائس في العراق.والطامة
الكبرى تبرئته لليهود من دم المسيح.
ولعل المقرف في عملية التطويب هو أن توضع اجزاء من اجساد البابوات
الميتين على المذبح في الكنيسة الرومانية العظمى حيث ووضعت في هذا
التطويب حاويتين الأولى فيها نقاط من دم البابا يوحنا بولس الثاني ،
وفي الحاوية الثانية اجزاء من جلد البابا يوحنا الثالث
والعشرين.
ولكن هناك انتقادات شديدة اعترضت فيها الكنائس على تطويب البابا
يوحنا بولس الثاني بهذه السرعة حيث انه توفى منذ سنوات قليلة ولم
تجري على يديه معجزات او كرامات شفاء اعجازية متتالية ولم يظهر منه
اي شيء يدل على انه يستحق رتبة (القديسية).سوى معجزة احياء ميتا في
اسبانيا تبين فيما بعد انه كان في غيبوبة نتيجة اخذه لجرعة زائدة من
الترياك .
ولكني اقول لهؤلاء ان تبرئة البابا يوحنا بولس لليهود من دم المسيح
وتصوير يسوع المسيح على انه هو الذي اعتدى على حق اليهود بزعمه انه
ابن الله سالبا اليهود حقهم في كونهم ابناء الله واحباءه وحدهم ،
يكفي لأن يرفع هذا البابا ليس إلى مصاف القديسين فقط بل إلى مصاف
الالهة التي تُعبد. (6)
الاهداف الخفية الغير معلنة لمناسبات التطويب .
كما قلنا ان هناك اهداف خفية كبرى لا يتم الاعلان عنها إلا بمثل هذه
المناسبات الحاشدة حيث تكون بمثابة التاليب والتحريض ضد دين معين او
ضد دولة معينة .
فكما هو معروف فإن اسباب كثيرة ادت إلى عدم ضم تركيا للاتحاد
الأوربي منها اسباب معلنة ومنها خفية ومن هذه الاسباب الخفية ــ
المعلنة ـــ ارجاع كنيسة آياصوفيا إلى سابق عهدها والغاء كونها
مسجدا في وسط اسطنبول كشرط لدخول تركيا إلى الاتحاد الاوربي.(7)
ولكن تركيا لم توافق خشية من موجة غضب عارمة تجتاح تركيا والعالم
الاسلامي ولكنهم ابقوا على المسجد متحفا.
وهذا مما غضب الفاتيكان بشدة وجعله يتحين الفرص لجلب الضرر إلى
تركيا والتحريض عليها. وفي مناسبة التطويب اعلن البابا أيضا عن
تطويب (800) مسيحي قتلهم العثمانيون قبل خمسة قرون في عملية نبش
للماضي هدفها التحريض وتصوير المسلمون على انهم همج وحوش. حيث أعلن
بابا الفاتيكان فرنسيس الأول تطويب وقداسة مئات المسيحيين الراحلين
في أول قداس تطويب يترأسه. ومنح البابا التكريم الأعلى من الكنيسة
الكاثوليكية لأكثر من 800 مسيحي من مدينة أوترانتو قاوموا الغزو
العثماني للمدينة عام 1480 وقتلهم العثمانيون بضرب العنق وزعم
البابا ان هؤلاء رفضوا التخلي عن ديانتهم المسيحية واعتناق الاسلام
فأمر القائد العثماني أحمد باشا في زمن السلطان محمد الثاني الملقب
بالفاتح. بقطع اعناقهم صبرا.
ثم روى البابا قصة هؤلاء والدموع تجري من عينيه والناس من حوله
متأثرون اشد التاثر فقال : ((ان السلطان محمد الثاني الفاتح ومن اجل
السيطرة على جزيرة رودس بعد سقوط القسطنطينية سنة 1453 قام باقتحام
مدينة اوترانتي واستعراض اهلها بالسيف وعرض عليهم إما الاسلام
اوالموت فصرخ (انطونيو بريمالدو) وهو اسكافي من المدينة بإسم اهالي
المدينة قائلا : ( أعلن بإسم رفاقي أن يسوع المسيح هو الإله
الحقيقي. نفضل الموت ألف مرة على إنكاره، لنصبح أتراكا). (8)
ولكن حقيقة الامر ان هؤلاء كانوا من المحاربين الذي رفضوا الاستسلام
إلى أن تم القاء القبض عليهم والسلاح بيدهم ، وحكم المحارب معروف في
كافة الديانات وهو القتل.
وهكذا اصبحت مناسبة تطويب اثنين من البابوات منبرا للتحريض ضد
المسملين وعلى الملأ العام.
ولكن لعل من اسرار التطويب التي لا يعرفها احد ، ان التطويب في
حقيقته هو أمرٌ قديم ورد في التوراة وخصوصا في سفر مزامير داود هو
ان يتم تطويب ابن الملك الذي : (( يكونُ اسمهُ إلى الدهر. قُدام
الشمس يمتد اسمه، ويتباركون به. كل أمم الأرض يُطوبونه)). ولكن
المسيحية سلبت هذا التطويب ومنحته لمن هب ودب من مجرمي وسفاحي
التاريخ. وهذا بحثُ معقد شائك يحتاج جهد ووقت وصحتي لاتسمح الان
بذلك ولكن اذا تحسنت صحتي سأضع الجزء الثاني وفيه اسار التطويب
الحقيقية ولمن هي .
المصادر والتوضيحات ــــــــــــــــــــــــــ
1- القديس ، الشفيع وهو صفة مشبهة تدل على الطهر، وتُمنح هذه الرتبة
لمن يتوفى طاهرا فاضلا، وهي مرتبة مثل الولي عند المسلمين كما يصفهم
القرآن المقدس بقوله : (ألا ان اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم
يحزنون).
2- وقد تم بيع نماذج من تمثالين للبابوين القديسين يقدر عددها بأكثر
من نصف مليون تمثال ستوضع في المنازل للذكرى او لطلب البركة والشفاء
وقضاء الحاجات . وقدر الخبراء الاموال بالمليارات سيدخل نصفها خزينة
الفاتيكان.
3- المقصود هنا هو التأسي بصبر أيوب وليس رفع مرتبة الناس إلى
القديسية ومنحهم صفة الشفيع فكما يقول تفسير الكتاب المقدس ان هذا
النص في أيوب هو للاقتداء بأيوب من ناحية التحمل كما يُقال في المثل
( صبر أيوب) والتأسي به وقد أشار الكتاب المقدس إلى ذلك بقوله :
((انظروا إلى نهاية سيرتهم فتمثلوا بايمانهم)). راجع عبرانيين 13 :
7
4- اجمع العالم أن الفضل يرجع إلى البابا يوحنا بولص الثاني الذي
ولد في بولندا وكان يعرف باسم كارول فويتيلا، في المساهمة في انهيار
الشيوعية خلال توليه منصب البابوية في الفترة ما بين عامي 1978
و2005. واما البابا يوحنا بولص الثالث والعشرين، واسمه الأصلي هو
انجيلو جيوسبي رونكالي، وولد في إيطاليا كان بابا الفاتيكان في
الفترة ما بين عامي 1958 و1963.
5- تمنح مرتبة القديس فى الكنيسة الكاثوليكية على أساس طلب يقدم من
أحد المعنيين بمنح صفة القداسة لشخص متوف يتضمن ملفا فيه سيرة حياته
وايمانه الموافق للكنيسة الكاثوليكية ويشترط أن يكون قد قام بأعجوبة
غالبا ما تكون شفائية عجز الطب عن حلها على أن يعود القرار النهائى
لبابا الفاتيكان.
6- لعل الذي لا يعرفه البعض من اسرار تطويب القديسين في الكنيسة هو
أن القديس لا يكون محصورا بمنطقة معينة او فئة معينة من الناس لا بل
ان هناك دول لها قديسين ولربما قارات ولربما يبلغ عدد القديسين
بمئآت الالوف وخذ على سبيل المثال لا الحصر : (القديس بندكت
النيرسي، شفيع القارة الأوروبية. السيدة غوادالوبي، راعية
الأمريكيتين. سركيس وباخوس، شفعاء المسيحيون العرب. موسى الحبشي،
شفيع أفريقيا. القديس جرجس، شفيع لعدد من الدول والمدن. القديس بيتر
كلافر، شفيع العبيد. كوزماس وداميان، شفعيّ الأطباء والطب. القديس
يوسف، شفيع الآباء والمربين. ألبيرتوس ماغنوس، شفيع العلماء
والأبحاث العلمية ، كاترينا الإسكندرانية، شفيعة أمناء المكتبة
والمعلمين).
7- آيا صوفيا صرح فني ومعماري موجود في منطقة السلطان أحمد بالقرب
من جامع السلطان أحمد. كان صرح آيا صوفيا على مدار 916 عام كتدرائية
ولمدة 481 عام مسجداً ومنذ عام 1935 أصبح متحفاً وظلت أيا صوفيا
مسجداً حتى بداية القرن العشرين حيث قام أتاتورك بتحويل المبنى إلى
متحف وذلك من خلال محاربة كل ماهو ديني فمنع من الكتابة بالحرف
العربي ومنع قراءة القرآن ومنع الزي الاسلامي وابدله بالزي الغربي
وحاول منع الاسماء الاسلامية إلا أن الموت عاجله.