بريطانيا (1) التي لم تحترم رغبات شعب ايرلندا الشمالية (2) في
الحرية والديمقراطية واستخدمت كل الوسائل المتاحة للقضاء على هذه
الرغبات المشروعة وخنقها في مهدها ترعى اليوم كل ثورات الديمقراطية
في الوطن العربي مستخدمة اسلوب النفاق الفاضح ولا يهمها حتى تزويد
اطراف النزاع بالسلاح وخطط القتل والابادة في العالم العربي، بينما
شعب إيرلندا الشمالية لا يزال يُحكم بالحديد والنار من قبل جيوش هذا
البلد الراعي للديمقراطية العربية والحريص على حريتها.
كانت كل امنيات شعب إيرلندا هو ان يعيشوا بكرامة وحرية وان يتمتعوا
بالديمقراطية التي تكاملت في الغرب ويقوم الان بتصديرها للعالم
الإسلامي والعربي . وتصاعدت مطالبات شعب إيرلندا وعلا هتافه من اجل
الديمقراطية . وعجزت كل آلة الحرب البريطانية عن اسكات هذا الصوت
الهادر لشعب اعزل من السلاح وحتى سنة 1969 كان الشعب الإيرلندي
يُطالب بحريته بكل سلام فكان يجابه بقمع الشرطة البريطانية الذي وصل
الاختطاف والقتل لرموز المتظاهرين.
فماذا فعلت بريطانيا من اجل اسكات اصوات الشعب بعد ان عجزت عن
اسكاته بقوة السلاح.
قام خبراء الاستخبارات البريطانية بدراسة طبيعة المجتمع الإيرلندي
وتركيبته الاجتماعية والدينية . فوجدوا أن الشعب الإيرلندي ينقسم
دينيا إلى مذهبيبن (الكاثوليك) و(البروتستانت)(3) . فقدح في ذهن
المخابرات البريطانية استخدام الطريقة القديمة فرق تسد التي اثبتت
فاعليتها في ضرب الإسلام والمسلمين بشكل ادى إلى انقسام العالم
الإسلامي المتوحد إلى تجمعات جغرافية صغيرة أدى إلى ضعف في قوة
المسلمين وتشرذمهم وبالتالي سهلت السيطرة عليهم واستعمارهم .
ذلك هو سلاح ضرب ( السنة) و(الشيعة). (الهندوس)و(السيك) و (السيك)
و(المسلمين).
في عام 1969 انطلقت شرارة الاقتتال الطائفي في إيرلندا الشمالية
بتحريك من المخابرات البريطانية بالايعاز إلى عصاباتها (البروتستانت
البريطانيين) لضرب (الكاثوليك الإيرلنديين) ومنعهم من اقامة شعائرهم
الدينية فكانت الشرارة التي اشعلت فتيل الاقتتال الطائفي بين أبناء
الديانة الواحدة المتفرقة مذهبيا. واسفرت هذا الصراع عن سقوط عشرات
الالاف من الطرفين قتلى وجرحى وكانت الصدامات الأشد عنفا في مدينة
(ديري) حيث جرى نحر الناس بالسكاكين والسبب أن البروتستانت
البريطانيين يرون أن إسم هذه المدينة (لندن ديري) تأكيدا على
تبعيتها لبريطانيا وليس لإيرلندا الشمالية. فحاولوا افراغ المدينة
من الكاثوليك الإيرلنديين.
استغلت الحكومة البريطانية هذه الفرصة وتدخلت بحجة تفريق المتقاتلين
ولكن الجيش البريطاني انحاز إلى البروتستانت وضرب المتظاهرين
الكاثوليك واقتحم مدينتهم يوم 14/8/1969 . فقام الإيرلنديون في عام
1970 باعادة تشكيل الجيش الجمهوري الإيرلندي السري للدفاع عن
انفسهم.وتحول الصراع إلى سياسي أيضا.
وفي سنة 1972 بينما كان الكاثوليك يُمارسون شعائرهم الدينية قام
جنود بروتستانت من الجيش البريطاني باطلاق النار عليهم وهم عزل من
السلاح فاندلعت الاقتتال الطائفي مرة أخرى وبلغ عدد القتلى 474 ثم
حاصر عشرة آلاف بروتستانتي بريطاني ،الكاثوليك في مدينة (دومكري)
الإيرلندية ولمدة ثلاث أيام قطعوا عنهم الماء والكهرباء والغذاء .
فتم تدخل المنظمات الإنسانية وتوصل الطرفان إلى حل وسطي . ولكن في
عام 1998 وبينما كان الكاثوليك يخرجون في مسيرة دينية في مناسبة لهم
هجم عليهم البروتستانت البريطانيين في اكبر عملية استهتار بمشاعر
الطرف الآخر وهكذا دق البريطانيون اسفين الصراع والاقتتال بين
الاخوة في الدين الواحد لإشغال طرف معين وتوجيه الصراع والاقتتال
إلى الداخل بدلا من قتال العدو المشترك المستعمرين البريطانيين
لإيرلندا الشمالية .
الملاحظة المهمة في هذا الصراع أن لا أحد حوله إلى صراع شامل يشمل
كل اوربا ، ففي اوربا الكثير من البروتستانت والكاثوليك ولكن اي
دولة لم تستغل الصراع وتوسعه ، بينما في العالم الاسلامي يتم توسيع
دائرة الصراع المذهبي وتوزيعه على الدول الاسلامية بشكل قذر من قبل
مخابرات الدول الغربية ومن المؤسف انك تجد من يتسجيب لذلك لا بل
يتفنن في اظهار انواع القساوة بحق أخيه من نفس البلد والدم والدين
واللغة.
واستمر توريث الاحقاد المذهبية حتى ترسخ عقائديا بحيث ان
البريطانيين انفسهم يقولون أن هذا الصراع لن تكون له نهاية حتى في
اطار الاجيال الجديدة من البروتستانت والكاثوليك على السواء لأن
توريث الأحقاد مستمر وهناك من يجدد اسباب الكراهية ويستفيد
منها.
وهذا ما يحدث الآن بين السنة والشيعة وهو أثر من آثار الاستعمار
البريطاني فإذا لم ينتبه الطرفان إلى خطورة ما يحدث وإذا لم تبدأ
عمليات التغيير من الاعماق، والاستعانة بالمواقف الإسلامية
الإنسانية لاعادة المعاني الدينية إلى طهارتها وتجديد النفوس على
الارتباط بأصولها وفطرتها السليمة ، والقضاء على الأنانية عن طريق
التربية السليمة في الاجيال القادمة بالاستعانة بالمعين الصافي
للقيم والاخلاق والمثل والمبادئ الاسلامية العليا التي تدعوا للسماح
والعفو إذا لم تبدأ هذه العملية فإن المستقبل لا يُبشر بخير أبدا
تحت ظل تنامي الحقد والكراهية ونشوء اتجاهات متطرفة وصل حقدها إلى
شق الصدور ومضغ القلوب.
فإلى متى نبقى نركض وراء المخطط البريطاني البغيض (فرق تسد)
البريطانيون لا يهمهم من يُقتل المهم ان تبقى سياستهم الفاسدة هي
السائدة وهذا ما تبين باوضح صوره في تأجيج الصراع بين طرفين يسكنون
على ارض واحدة (بروتستانت) و(كاثوليك) (سيك) و(هندوس) (سنة)
و(شيعة).
المصادر والتوضيحات ــــــــــــــــــــــ
1- الدين الرسمي في بريطانيا هو المسيحية والمذهب هو البروتستانتي
وهم يُمثلون الغالبية العظمى. واما الكاثوليك فهم في إيرلندا
الشمالية وعواصمها هي : بلفاست وكارديف وأدنبرة.
2- أيرلندا الشمالية هي جزء من المملكة المتحدة في الشمال الشرقي من
جزيرة أيرلندا. وقد توصف بأنها بلد،أو مقاطعة أو دويلة أو مستعمرة
تابعة لمملكة المتحدة.
3- البروتستانتية هي المذهب الرسمي للديانية المسيحية البريطانية.