الشيطان . هل هو قبيح بأعماله أم بشكله

2021/01/19

 
 
من أجل تدارك تداعي الكنيسة وانهيار المسيحية يعمد الآباء إلى أمور شتى منها : انكار جهنم ، ، غفران الذنوب مهما كبرت ، السماح للشواذ والمثليين بأن يكونوا رجال دين ، تصوير الشيطان ابليس بصورة جميلة بعكس ما تصفه به الكتب المقدسة. ولكن لعل اخطرها هو انكار شخصية إبليس . والبابا لا يعترض. 
في البداية ينكر اليوم الكثير من العلماء والناس ومن مختلف الأديان أن يكون الشيطان كائن حقيقي . ويدعون أنه من نسج خيال البشر. وهذه المسألة ليست جديدة فهي قديمة جدا حيث يُحاول الشيطان أن يُحسّن صورته للناس ففي القرن (19) كتب الشاعر شارل بيار بودلير يقول : ان امكر الخدع التي يلفقها ابليس هي اقناعنا بأنه غير موجود. 
حسب الأديان فإن الشيطان كائن قديم ولكنه ليس اقدم من خلق الانسان روحا وتصميما. فهناك كائنات سبقت خلق اي شيء حيث لم يكن في سماء الهيولى سوى الرب ثم تلك الاشباح التي كان اولها انسان روحي لم يدخل القالب الطيني بعد ففي نص مبهم اورده بولس لكونه جمع بين ثقافتين يهوديته ثم المسيحية فيما بعد واصبح رسولا فيها قال في رسالته إلى العبرانيين 1: 6 ((وَأَيْضًا مَتَى أَدْخَلَ الْبِكْرَ إِلَى الْعَالَمِ يَقُولُ: «وَلْتَسْجُدْ لَهُ كُلُّ مَلاَئِكَةِ اللهِ . الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ، بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ. فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشًا أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ. الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ. الَّذِي هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَفِيهِ يَقُومُ الْكُلُّ)) ايضا رسالة بولس إلى أهل كولوسي 1 : 15
فعندما فرغ الرب من خلق هذه الروح الطيبة ، خلق بعدها الملائكة فاطلق عليهم ابناء الله (1) فتمرد واحد من هؤلاء الملائكة فأصبح شيطانا بسوء حسده فهذا الملاك لم يُطلق عليه اسم شيطان في بدايته بل كان ملاكا وقتما خُلق بجناحين يطير مع الملائكة . والشيطان هو أحد النعوت التي تُنسب إليه ويعني : (خصم ، عدو ، متّهم ، مُبعد) ودُعي شيطانا لأنه اختار مسلكا اعوج شطن منه عن ارادة الله. 
لقد نمت مشاعر الكبرياء والمنافسة لدى هذا المخلوق الروحاني. فرغب في أن يسجُد له بقية الخلق لأنه شارك في خلقهم كما يعتقد ، وذلك عندما امره الرب ان يقوم بجمع التراب اللازم لصناعة الإنسان ثم يعجنه بالماء ويُكومه على شكل طينة على أرض الجنة. وكانت الروح التي خلقها الله لهذا القالب في أول أمرها مرفرفة حول العرش على الغُمر (المحمودة من قبل الرب الحامدة له). وعندما أولج الرب تلك الروح في ذلك القالب الطيني الذي انطوى سر العالم فيه أمر الكل بالسجود له : (ومَتَى أَدْخَلَ الْبِكْرَ إِلَى الْعَالَمِ َلْتَسْجُدْ لَهُ كُلُّ مَلاَئِكَةِ اللهِ . واذ قلنا للملائكه اسجدوا لادم فسجدوا الا ابليس ابى ) (2) وأودعها تلك الروح بذرة في صلب الأديم الطيني فتمت عصمة هذا القالب من الدنس وتحركت ببركة هذا المحمود اعضاء الجسد ودبت فيه الروح .ولما كانت هذه البذرة الطيبة في صلب آدم لم يستطع الشيطان ان يغويه ، بل عمد إلى زوجته التي كانت لم تحمل بركات البذرة فأغواها واغراها فقامت بالتأثير على زوجها. 
هذا الملاك الذي كان صالحا اصبح عند الامتحان متمردا وعدوا لله والانسان. وقد أضيفت له تسمية أخرى (ابليس) أي المفتري الذي افترى على الله بقوله : (الرب نهاكما عن الاكل من هذه الشجرة لكي لا تكونا مثله . ما نهاكما عن تلك الشجرة إلا أن تكونا ملكين او تكونا من الخالدين إذا اكلتما من تلك الشجرة فسوف تكونا خالدين مثل الله وتعرفان الخير والشر). 
أعطى الرب للشيطان سلطة أن يكون حاكم هذا العالم فأهبطه مع المخلوق الاول فجعل الخلافة في آدم . والسلطة في ابليس الشيطان .(3) فقال يسوع بأن الشيطان حاكم هذا العالم . وقال يوحنا 5 : 19 : ((العالم كله تحت سلطة الشرير)). فنجح الشيطان في استغلال ادواته التي هي شهوة الجسد وانانيته لكي يضل الأرض كلها كما وعد بذلك الرب متحديا : ( لأغوينهم أجمعين). فأصبح الشيطان إله الذين يُطيعونه فهو إله نظام الاشياء في الارض . (4) وكانت من نتائج حكمه : الرياء الكذب ، العذاب ، الدمار ، الجريمة ، الجشع ، الفساد بكافة اشكاله. وامور اخرى لا حصر لها . 
لسنين طويلة دأب الفنانون ورجال الدين والمسارح عرض الشيطان بصورة موحشة قبيحة مرعبة . فهم لم يروا الشيطان ولكن لربما اعماله اوحت لهم شكله فصوروه بهذه الصورة المرعبة القبيحة جدا ولا أعرف من أين جاؤوا له بقرنين ولون احمر أو اسود . ولكن ثقافة العصر الحديث انطلاقا من تراكم الشكوك حول شخصية هذا المخلوق الناري دفعت اكبر فنان اوربي ان يتدخل ليصنع تمثالا للشيطان من خلال وصف الكتاب المقدس له ومن خلال اشهر قصيدة اوربية وهي قصيدة الفردوس المفقود الملحمية للشاعر الإنكليزي جون مِلتون التي يصف فيها طرد الشيطان من السماء لعصيانه إرادة الله بسبب كبريائه، من كل ذلك قام الفنان الأسباني (ريكاردو بِلڤِر) (5) بوضع تمثال للشيطان بصفته مخلوقا سماويا ملائكيا جميلا رشيقا ولكن له عينين حاسدتين باغضتين بشكل ملفت للنظر . فقد جعل هذا الفنان قباحة الشيطان تبدو من خلال نظرته المريبة لكل شيء التي تنعكس من خلالها روحه الشريرة الشيطانية المتمردة وليس من شكله لأن الفنان يعتقد بأن الرب جميل ولا يمكن ان يكون رب للقبح . فهو لم يصوره مخلوقا وحشيا ذا قرنين وذنب ويحمل عصا لها شعب نارية ثلاث أو أربع بل صوره بأجمل صورة . فقد صوره ملاكًا جميلاً بجناحين، تلتف على ساقيه وتقيِّد ساعدَه الأيمن أفاعٍ، يجلس على جذع شجرة مقطوع، ويرفع يده اليسرى فوق حاجبيه ناظرًا إلى الأفق البعيد نظرةَ تأمل صارخة، كمن أدرك الأبعاد الكونية لمعصيته، وأسماه الملاك الساقط. 
ولكن سكان مدينة مدريد الكاثوليكية احتجوا على هذا التمثال ولكن الحكومة تجاهلت احتجاجاتهم ولكنها قامت بنقله إلى متنزَّه ريتيرو، وهو أهم الحدائق المشهورة في مدريد التي يرتادها ملايين الزوار كلَّ عام في عملية اعتبرها البعض ترويجا للشيطانية. 
قليلون اليوم بين هؤلاء مَن ترتسم على وجوههم أماراتُ الاستياء أمام هذا التمثال. حيث بدا الناس يتقبلون فكرة كون شكل ابليس انه ملاك جميل غير مؤذ. 
تقول الكاتبة (ماريا كيا) في كتابها غرائب مدريد ونوادرها: ((ينبغي لمدريد أن تفخر بأنها المدينة الوحيدة في العالم التي خصَّصتْ نصبًا تذكاريًّا لإبليس نفسه!)).
فماذا بعد انكار جهنم وتحسين صورة الشيطان وغفران الذنوب بدلا من الله؟ 
يارب نجنا من الشرير . 
إيزو .
المصادر ــــــــــــــــــ 
1- سفر أيوب الاصحاح 38 : 4 ـ 7 . 
2- سورة طه آية : 116. 
3- انظر انجيل يوحنا 12 : 31. 
4- كورنثوس الثانية 4 : 4.
5- هو الفنان ريكاردو بِلڤِر (1845-1924) – وهو نحات إسباني درس الفن في أكاديمية سان فرناندو الملكية وتابع تحصيله في روما
أخترنا لك
عمر واليهود . الجزء الأول

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف