الكلب افضل مني ! كلمات مستلّة من دفتر ذكرياتي

2021/01/18

 
رتابة الحياة في السويد ، ونسيان الناس لعاداتهم وتقاليدهم يؤدي إلى حدوث حالة ملل وخمول إن لم تُعالجها فإنها سوف تستفحل وتتحول إلى (نورتيك) يقضي على الهمة ويحد من نشاط العقل ثم الكسل وموت المواهب . فلا احد يزورك ولا تزور احد لأنك لا تلاقي التشجيع من احد . تمتلكني الشجاعة فارتدي الحجاب الاسلامي وانطلق في زيارة مكوكية للمساجد والمراكز الثقافية وحتى العلمانية والالحادية للعرب والمسلمين هنا في السويد . اركن السيارة بعيدا لكي لا ألفت الانظار واحشر نفسي في زحمة النساء واجلس صامتة ، ولكن الذي يفضحني هو شكلي الطفولي البريء وسماحة التقاسيم المرسومة بدقة متناهية على صفحة وجهي الأبيض المستدير وأكثر من ينجذب إلى شكلي هن البنات اليافعات حيث يدفعهن فضول صمتي إلى جس نوايا هذه الفتاة التي تجلس بصمت دائما وفي نهاية المكان. 
في كثير من الاحيان يصطادوني ، ويعرفون هويتي حيث أن شكلي معروف كمترجمة بين الكثير من العرب هناك. ولكني اضع عدسات لاصقة سوداء او زرقاء او خضراء وارفع طرف الحجاب على ذقني لأخفي بعض ملامحي، ومع اللغط الكبير للنساء اللاتي يتحدثن جميعا مرة واحدة ولا أدري من الذي يستمع ومن الذي يتكلم ، فلا أحد يلتفت لي في اكثر الاحيان . 
كان الامام بعد أن يُصلي ويلقي الخطبة وتنتهي حصة الرجال يأتي لزيارة غرفة النساء فيجلسن بصمت لأنهن لا يوجد لديهن اسئلة ، أو يمنعهن الحياء فيضطر الامام للتحدث في امور شتى , وكم رثيت لحال المساجد على أمثال هؤلاء الائمة الذي لا يعرف احد من أين جاؤوا ومن ارسلهم ومن يمولهن شكلهم غريب وأمرهم مريب ، حديثهم كله لعن لطائفة من المسلمين ، وتوصياتهم كلها بسرقة وعدم احترام الكافرين ـــ يعني السويديين لأنهم كفار نصارى ملعونين اينما ثُقفوا أخذوا وقتّلوا تقتيلاـــ . وبعد أن ينهي من خطبته ، يقول : من عندها سؤال ؟ اخواتي لا تخجلن فأنا امام ومن واجبي الاجابة حتى على الاسئلة الخاصة ، والتي تستحي ، تأت لتلك الغرفة نكون وحدنا وتطرح سؤالها ؟ ولكن لا مجيب. 
ويوما طرحت بعض الاسئلة على أحدهم ، وكانت اسئلة مدروسة بعناية فأوقعت المسكين في ورطه إن اجاب بأي جواب سيكون عليه.
ثم قال لي : هذه اسئلتك اختي إن اجبت عليها سوف يقطعون رزقي ويطردوني، ومن أين اعيش سأموت من الجوع قالها ضاحكا.( طبعا جواب العربي دائما فيه مبالغة وتضخيم ) 
تحسرت ، وقلت له : أنت امام ولا تدري من أين تعيش ؟ إنه لا يخذلك فلماذا تخذله بسرعة. 
قلت له : يا شيخ اسمع مني هذه القصة لكي تعرف من أين تعيش . 
نتيجة لجرأتي وكتاباتي حسدني البعض واخذ البعض يكيد لي من اتباع ديانتي ، فضايقوني بالكلام ولكنهم لم يفلحوا فعمدوا إلى رزقي فقطعوه ، فذهبت إلى هذا الشخص وابتسمت بوجهه وقلت له : هل تعلم ان الرب الله إذا اراد بعبد خيرا فإنه يُحدث التغيير على يد امثالك. انت قطعت رزقي ولكن الرب لربما قرر أن يعطيني رزق افضل من هذا. 
فسكت ولم يُجبني ــ طبعا كل القساوسة جبناء ــ فذهبت عنه وكانت فعلا يا شيخ هذه عقيدتي بربي أنه لا يخذلني . وفي نفس ا لليلة يا شيخ رأيت رسالة في بريدي الالكتروني فيها عرض للعمل في مكتب ترجمة خاص وكان الاجر ضعفين مع توفير وجبتين طعام وتحمل تكاليف النقل ، وكان يا شيخ عرضا سخيا من رب لا يهجر عباده. 
هل رأيت يا شيخ من أين تأكل ومن هو الذين يُطعمك . فخجل كثيرا هذا الامام وقال : من أين انت من اي بلد ؟ فقلت له : مسيحية من العراق . فذهل ، فاستغللت فترة ذهوله وانصرفت ـــ في الواقع هربت ــــ . 
هذا الحدث ذكرني بقصة قديمة تُحكى عن راهب كان يعيش في صومعة على رأس جبل من الجبال وكان هذا الراهب يأتيه رزقه كل يوم بأن ينزل عليه من السماء اناء في طعام وشراب فكان يفطر عليه ثم يرتفع الاناء ــ يعني لا يطبخ ولا يغسل صحون ــ وفي يوم من الايام دخل هذا الراهب الزهو والعجب. فقال : من مثلي يأتيه طعامه كل يوم من السماء. ولكن في اليوم التالي لم ينزل عليه اي شيء وهكذا استمرت الحال ثلاث أيام حتى اوشك هذا الراهب على الموت جوعا. فنزل من الجبل واتجه إلى احد القرى القريبة ، وهناك وبشق النفس حصل على رغيف خبز ، فرجع إلى صومعته لكي يأكل الرغيف مع الماء ، ولكن كلبا من كلاب القرية تبع هذا الراهب واخذ بالنباح فرمى له الراهب نصف الرغيف فأكله الكلب ، وبعد ان فرغ من الاكل تبع الرجل حتى وصل إلى الصومعة ولم يتركه . عندها فطن الراهب إلى ما حدث وقال : عبدت الله اربعين عاما يأتيني رزقي كل يوم ، وهجرت الله عندما قطع رزقه عني يوما , ولكن هذا الكلب اعطيته فقط نصف رغيف فلم يهجرني وتبعني . 
هذا الكلب افضل مني . 
أخترنا لك
اشكالات الزواج في المسيحية وأحكام أخرى

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف