على طول التاريخ عمل رجال الدين المزيفون اعمالا تسببت في انتكاسات
لدى الناس وتسببت في تراجعهم . لقد حذر الأنبياء كلهم من هذا الطابور
الخفي الذي لا يهمه من الدنيا سوى مصالحه حتى لو اغرقوا الدنيا
بالدماء والدموع والآلام لا تكاد تخلو ديانة من هذا التحذير ولكن
باختصار فإن أهم علامة من علاماتهم أنهم يتكدسون على أبوب الملوك
ويضعون اقدامهم في ركاب الحاكم الدنيوي الظالم ويصطفون مع كل دكتاتور
. هذه أهم علامة حيث يكونوا موظفين في بلاط الملوك وخدم عند الرؤساء
فتاواهم تتطاير يمينا وشمالا إرضاء للحاكم الذي يجعل الذهب والاموال
تحت اقدامهم . فهم في اليهودية يُعرفون بـ الأفاعي ، وفي المسيحية
الذئاب الخاطفة ، وفي الاسلام وعاظ السلاطين . وفي البوذية عصا
الامبراطور، وفي الهندوسية ذنب الكلب وعند السيك : مقشة الذباب
ووو.
وأما علماء الحق والصدق فعلامتهم أنك ترى الملوك على أبوابهم .
أحد طرق هؤلاء في حلب الاموال من الناس هو ربط مصير الناس بهم من خلال
الادعاء في مسألة معرفة الفأل أو البخت أو ما يُسمى تقرير مصير
المشاريع . وسنأتي على بيان ذلك .
مسألة الاستقسام بـ ((بالازلام ، أو الأوريم والتميم )) كانت من
الأمور الخطيرة التي تقرر مصير أي مشروع ، وكانت تشكل ربحا جيدا
بالنسبة لرجال الدين لا يمكن التخلي عنه حتى ولو أدى ذلك إلى عصيان
الإله والكفر به . حيث كان في كل معبد وكنيسة طريقتها في ذلك . وكانت
أدوات الأوريم يتم وضعها في كيس يعلقه الكاهن في رقبته وتتكون من ثلاث
قطع من خشب أو حجر قطعتين تدل احدهما على الإيجاب أو الرضا أو التأييد
، وتدل الأخرى على الإجابة بالسلب وعدم التأييد وتترك الثالثة فارغة
وهذا يعني أن الشخص هو يتحمل مسؤولية المشروع. (1) .
فعندما يأتي شخص عنده مشروع معين ويُريد أن يعرف هي يمضي في هذا
المشروع أو لا و هل يسافر أو لا . فإن الكاهن يُتمتم بكلمات غالبا ما
تكون غامضة ثم يمد يده في الكيس بعد أن يحركه ليخلط الأحجار او السهام
ويستل سهما أو رقعة خشبية مكتوب عليها نعم أو لا . وبهذه الطريقة يتم
تحديد مصير المشاريع .
وقد وردت نصوص في الكتاب المقدس تدل على ذلك ومنها كما في سفر الخروج
28: 30 ((وَتَجْعَلُ فِي صُدْرَةِ الْقَضَاءِ الأُورِيمَ
وَالتُّمِّيمَ)) وكذلك في سفر العدد 27: 21 ((فَيَقِفَ أَمَامَ
أَلِعَازَارَ الْكَاهِنِ فَيَسْأَلُ لَهُ بِقَضَاءِ الأُورِيمِ.
حَسَبَ قَوْلِهِ يَخْرُجُونَ، وَحَسَبَ قَوْلِهِ يَدْخُلُونَ)) .
أنتقلت هذه العادة إلى العرب قبل الإسلام حيث ذكرها القرآن واطلق
عليها إسم ((الأزلام)) وهي نوع من القداح او السهام أيضا يُكتب على
واحدة منها الرضا والايجاب ، والثاني على عدم الرضا والثالث فارغ
ويقوم بذلك طبقة الكهنة . وقد نهى القرآن عنها وابدلها بالقرعة و
الاستخارة . عند وصول أي قضية إلى طريق مسدود فيتم الاقتراح كما في
الحديث : (( القرعة عند كل أمرٍ مُشكل)). أو الحديث : (( ما خاب من
اقترع)).
واما الاستخارة فهي نوع من الاطمئنان القلبي الذي يحصل نتيجة التفأل
بكلام سامي مقدس وهي من المجربات المفيدة حيث تم ربط طريقة القرعة
والاستخارة برب العالمين بدلا من ربطها برجال الدين فيجعلوها مكسبا
يأكلون منها اموال الناس بالباطل . بينما القرعة والاستخارة مجانا
غايتها رفع القلق النفسي عن الانسان ودفعهم للتوكل على القدرة المطلقة
التوكل على الله فينطلق مطمئنا متوكلا يسير بقدم ثابتة. وما خاب من
اعتمد وتوكل.
واما في الكتاب المقدس فلم يستجب الرب للنبي الذي استقسم بالأوريم كما
في سفر صموئيل الأول 28: 6 ((فسأل شاول من الرب ، فلم يُجبه الرب لا
بالأحلام ولا بالأوريم )).
وأما في القرآن فقد عدّ الرب الازلام ضمن المفاسد فقال في سورة
المائدة آية 90 ((انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل
الشيطان فاجتنبوه)) ولكن الرب اذن في القرعة وقد اجمع المسلمون على
ذلك وذلك في قول الرب ((وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ
أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ
إِذْ يَخْتَصِمُونَ)) أو في قوله : ((وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ
الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ
فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ)) (2) قال الشافعي : ((فأصل القرعة في
كتاب الله عز وجل في قصة المقترعين على مريم والمقارعين يونس عليه
السلام مجتمعة)) (3)
مما تقدم نرى أن الأديان اتفقت على القرعة والاستخارة ولكنها حرمت
الأزلام والتوريم .
بعض المصادر ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- المصدر كتاب أسئلة عن الكتاب المقدس التميم والأوريم في صياغة
المستشرقين فلهازون ودرايفر لما جاء في سفر صموئيل الأول (14: 41) علي
أساس الترجمة السبعينية فيقولا : كانا حجري قرعة، الأول مكتوب عليه
((أوريم))، والآخر ((تميم))، مع وجود قطعة ثالثة بلا اسم.
2- قصة يونان او يونس نفسها موجودة في الكتاب المقدس حيث جاء في سفر
يونان 1: 7 ((فَأَرْسَلَ الرَّبُّ رِيحًا شَدِيدَةً إِلَى الْبَحْرِ،
فَحَدَثَ نَوْءٌ عَظِيمٌ فِي الْبَحْرِ حَتَّى كَادَتِ السَّفِينَةُ
تَنْكَسِرُ. فَخَافَ الْمَلاَّحُونَ وَصَرَخُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى
إِلهِهِ، وَطَرَحُوا الأَمْتِعَةَ الَّتِي فِي السَّفِينَةِ إِلَى
الْبَحْرِ لِيُخَفِّفُوا عَنْهُمْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ:
«هَلُمَّ نُلْقِي قُرَعًا لِنَعْرِفَ بِسَبَبِ مَنْ هذِهِ
الْبَلِيَّةُ». فَأَلْقَوا قُرَعًا، فَوَقَعَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى
يُونَانَ. ثُمَّ أَخَذُوا يُونَانَ وَطَرَحُوهُ فِي الْبَحْرِ،
فَوَقَفَ الْبَحْرُ عَنْ هَيَجَانِهِ)) .
3- شرح النووي على صحيح مسلم ، يحي بن شرف النووي، دار إحياء التراث
العربي بيروت 1392هـ