في نص أدبي حواري بين إشعياء النبي وبين ربه وهو الذي دونه في
العهد القديم . يتغزل هذا النبي بالقادم صاحب الثياب الحمراء الذي
يراه من وراء الأفق البعيد بكامل اوصافه وصفاته فيقول إشعياء في سفره
63 : 1 ((مَنْ ذَا الآتِي مِنْ أَدُومَ، بِثِيَابٍ حُمْرٍ مِنْ
بُصْرَةَ؟ هذَا الْبَهِيُّ بِمَلاَبِسِهِ، الْمُتَعَظِّمُ بِكَثْرَةِ
قُوَّتِهِ. أَنَا الْمُتَكَلِّمُ بِالْبِرِّ، الْعَظِيمُ لِلْخَلاَصِ.
مَا بَالُ لِبَاسِكَ مُحَمَّرٌ، وَثِيَابُكَ كَدَائِسِ الْمِعْصَرَةِ؟
«قَدْ دُسْتُ الْمِعْصَرَةَ وَحْدِي، وَمِنَ الشُّعُوبِ لَمْ يَكُنْ
مَعِي أَحَدٌ. فَدُسْتُهُمْ بِغَضَبِي، وَوَطِئْتُهُمْ بِغَيْظِي.
لأَنَّ يَوْمَ النَّقْمَةِ فِي قَلْبِي، وَسَنَةَ مَفْدِيِّيَّ قَدْ
أَتَتْ. فَنَظَرْتُ وَلَمْ يَكُنْ مُعِينٌ، وَتَحَيَّرْتُ إِذْ لَمْ
يَكُنْ عَاضِدٌ، فَخَلَّصَتْ لِي ذِرَاعِي، وَغَيْظِي عَضَدَنِي.
فَدُسْتُ شُعُوبًا بِغَضَبِي وَأَسْكَرْتُهُمْ بِغَيْظِي،
وَأَجْرَيْتُ عَلَى الأَرْضِ عَصِيرَهُمْ))
النص هنا يتكلم عن شخص عظيم من علاماته أنه قادم من منطقة ((إدوم))،
يرتدي ثياب حمر من بصرة، ومن أوصافه أنه بهي بملابسه، متعظم في كثرة
قوته يدوس كل من يقف في طريق دعوته ولا يُبالي حتى وإن كانوا من
أقربائه واهله وعشيرته. لم يكن له معين في بداية دعوته فبدأ يطأ
المشركين بغضب إلهي لا يعرف المساومة لأن يوم نقمة في قلبه : (( وتأكل
كل الشعوب الذين الرب الهك يدفع إليك . لا تشفق عيناك عليهم ولا تعبد
آلهتهم ــ قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ــــ جاهد الكفار
والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير)) سورة التوبة :
73
النص المذكور يتحدث أيضا عن مكانين . مكان يبعث فيه هذا الشخص ، ومكان
تأتي منه ثيابه فيقول من ذا الاتي من أدوم ، أي يُبعث في أدوم ،
وثيابه من مدينة بصرة . ثم يصف النص هذا الشخص بأنه يتكلم بكلام عظيم
ــ ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ــ يخلّص الناس
ويُنجيهم ويُحييهم ــ إذا دعاكم لما يُحييكم ـــ ثم يخرج هذا الشخص في
قوة تتعاظم فيسحق الشعوب المتمردة على ربها وينتصر عليهم.
تركت كل التفاسير التي جاء بها علماء الكتاب المقدس لأن هؤلاء من
المولعين جدا بالخزعبلات والخرافات فيلجئون إلى استخدام لغة الرمز
لإضلال عقول الناس وقد ذكرت جانبا من ذلك في الحلقة الأولى من ابحث
.
نأتي هنا فنأخذ الكلمتين اللتان وردتا في النص وهما أدوم و بصرة .
ففيهما يكمن سر النبوءة .
في موسوعة طرق التجارة العالمية القديمة جاء في تفسير هاتين الكلمتين
ما يلي : ((إدوم بدأت من النهاية الجنوبية للبحر الميت إلى مساحات من
الصحراء العربية إلى الشرق، ومن هذا الخط امتدت إدوم لتشمل كل الأراضى
جنوبا إلى البحر الأحمر والأراضي على طول الساحل الشرقي للبحر
الأحمر)) (1) ANCIENT TRADE ROUTES وفي هذا النص يذكر أن منطقة اليمن
والحجاز هما من أهم الطرق.
ثم ماذا يقول قاموس الكتاب المقدس عن أدوم ؟ EASTON BIBLE DICTIONARY
(The southern part of Edom was known as Teman (2)
لا أريد أن اضع القارئ الكريم بين القواميس والخرائط فيضيع ولكني
اختصر فأقول : أن الجزء الجنوبي من أدوم كان يُدعى تيمان بحسب النص
أعلاه.أي تيماء او الحجاز الحالية
إذن يتبين، أن مملكة إدوم التي جاء منها ذلك الشخص العظيم الذي يتكلم
عنه النص، كانت في ذلك الوقت مملكة ممتدة، شملت الحجاز واليمن، وذلك
وفقا لأقوال يسوع، وقواميس الكتاب المقدس، فنستنتج من ذلك أن النبي
الذي يشير إليه النص ويخبر أنه قادم من إدوم هو(محمد بن عبد الله) ،
لأن إدوم شملت أرض الحجاز التي خرج منها هذا النبي.وليس لها علاقة بأي
نبي آخر فموسى هرب مع قومه من مصر ، وعيسى رجل مسكين مسالم. فلم يخرج
من هذه المنطقة غير هذا الشخص .فقد تُركت هذه المنطقة من غير نبوات
فترة طويلة كانت الصراعات محتدمة بين الأديان في مناطق أخرى من العالم
فمع انها تحوي اعظم بيت للرب إلا أن الرب ولحكمة ترك هذه المنطقة
صحراء قاحلة فيها فقط الجوع والخوف لا يطمع فيها الطامعون فلا ماء ولا
زرع ولا أي شيء آخر حتى أن سكان الحجاز كانوا يُسافرون في رحلتين من
أجل التجارة وقال الرب واصفا هذه المنطقة : اطعمهم من جوع وآمنهم من
خوف بأنها كانت منطقة قاحلة مكشوفة لا يوجد ما يحميها فهي في جوع وخوف
دائم تعيش على الغارات والسلب والنهب.
ولكن بقى علينا شيء مهم وهو .هل كانت ثياب هذا النبي (حمراء) ومن أين
أتى بها ؟ تعال معي لنرى ذلك .
ما هي مدينة بصرة ؟ بُصرة وتكتب بصرى أيضا، هي مدينة سورية قديمة
معروفة، يرجع تاريخها إلى القرن الرابع عشر قبل ميلاد يسوع المسيح وهي
مذكورة في جميع المراجع القديمة وقعت تحت الحكم الروماني وازدهرت
وأصبحت عاصمة كبرى عند ملتقى الطرق واحد اهم المناطق التجارية آنذاك .
ولكن ماعلاقة النص بهذه المنطقة والذي يقول : من ذا الآتي من إدوم،
بثياب حمر من بصرة ؟
ذكر القرآن المقدس بأن عرب الحجاز كانت لهم رحلتين : ((لإيلاف قريش
إيلافهم رحلة الشتاء والصيف)) فقد ذكر ابن كثير في تفسيره لهذه الآية
: ((قال: كانت قريش قد ألفوا بصرى واليمن يختلفون إلى هذه في الصيف,
وإلى هذه في الشتاء)) (3) طبعا وفي مقدمة تجارة قريش هي الثياب وقد
كان النبي يرتدي هذه الثياب حاله حال أهل مكة وما حولها وقد كانت له
ثياب حمراء يرتديها كما في الرواية التالية عن البراء أنه قال في صفة
النبي عليه المكارم : ((كان النبي صلى الله عليه وسلم مربوعاً ، بعيد
ما بين المنكبين ، له شعر يبلغ شحمة أذنيه ، رأيته في حلة حمراء لم أر
شيئاً قط أحسن منه)) رواه البخاري الحديث رقم 5510. ومسلم في صحيحه
.
وعن جابر بن سمرة قال : ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة
أضحيان وعليه حلة حمراء، فجعلت أنظر إليه وإلى القمر، قال : فلهو أحسن
في عيني من القمر )) رواه الدارمي والترمذي والحاكم في المستدرك
ووافقه الذهبي وأبو يعلى . ومعنى أضحيان : أي مضيئة مقمرة.
مما يتقدم نفهم نص النبوءة على أن هذا النبي يخرج في كثرة قوته، ويسحق
الشعوب المتمردة وينتصر عليهم، وهو قوله (قد دست المعصرة وحدي ومن
الشعوب لم يكن معي احد ؛ فدستهم بغضبي، ووطئتهم بغيظي، فرش عصيرهم على
ثيابي، فلطخت كل ملابسي) وهذه صورة بلاغية تبين مدى الانتصار العظيم
ومدى اندحار شعوب الكفر وانسحاقهم في مواجهة ذاك النبي، وهذا ما سجله
التاريخ وشهد به العالم فدانت له اعتى قوتين في ذلك الزمان فارس
والروم . وهو مصداق قول النبوءة الثانية كما في سفر إرميا 49: 22
((اسْمَعُوا مَشُورَةَ الرَّبِّ الَّتِي قَضَى بِهَا عَلَى أَدُومَ،
وَأَفْكَارَهُ الَّتِي افْتَكَرَ بِهَا عَلَى سُكَّانِ تِيمَانَ:
إِنَّ صِغَارَ الْغَنَمِ تَسْحَبُهُمْ. إِنَّهُ يَخْرِبُ مَسْكَنَهُمْ
عَلَيْهِمْ. مِنْ صَوْتِ سُقُوطِهِمْ رَجَفَتِ الأَرْضُ. صَرْخَةٌ
سُمِعَ صَوْتُهَا فِي بَحْرِ سُوفَ. هُوَذَا كَنَسْرٍ يَرْتَفِعُ
وَيَطِيرُ وَيَبْسُطُ جَنَاحَيْهِ عَلَى بُصْرَةَ، وَيَكُونُ قَلْبُ
جَبَابِرَةِ أَدُومَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ كَقَلْبِ امْرَأَةٍ مَاخِضٍ
))
نعم فقد بسط جناحيه على بصرة الروم في الشام وعلى فارس .
إيزابيل بنيامين ماما آشوري .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1- انظر الموسوعة الألكترونية تضغط على كلمة بحث ثم تكتب في المربع
كلمة أدوم ثم كلمة بصرة الموسوعة باللغة الانكليزية حيث اعتمدت الاساس
افضل من الترجمات ، ولتسهيل المسألة على القارئ اضع النص هنا
وبالامكان ترجمته في المترجم كوكلي ((EDOM e’-dom GEOGRAPHY The
country of Edom began at a line from the south end of the Dead Sea
stretched to the Arabian Desert areas to the east. From this line,
Edom claimed all the land south to the Red Sea, and farther along
the east coast of the Red Sea.))
http://www.ancientroute.com/empire/edom.htm
2- انظر قاموس الكتاب المقدس كلمة أدوم ولتسهيل المسألة على القارئ
اضع هنا الرابط الاصلي باللغة الانكليزية
http://www.biblestudytools.com/dictionaries/eastons-bible-dictionary/edom.html
3- راجع تفسير ابن كثير و تفسير البحر المحيط للأندلسي و تفسير الدر
المنثور للسيوطي و الجامع لأحكام القرآن للقرطبي. تفسير سورة قريش
فكلهم اجمعوا على ما يلي : ((كانت قريش قد ألفوا رحلة إلى بصرى ورحلة
إلى اليمن))