في عملية تبرير غير منطقية على قيام ((ناثان)) بتبرئة ((داود وبششبع)) من عملية الزنا وعدم تطبيق أحكام الرب عليهما يقول المفسرون : السبب هو أن القضاة البشر لا يقرأون ما في القلوب بل يُصدرون حكمهم على أساس تصرف الخطاة وفقا لأدلة معيّنة. ولكنهم يؤمنون بأن الرب يقرأ ما في قلوب البشر ويسامحهم على خطاياهم إذا كان هناك اساس لهذا الغفران . وبما أن الرب قطع عهد الملكوت مع داود. فقد رأى الرب أن يُجري ((استثناء)) في هذه الحالة ويُعالج المسألة شخصيا عن طريق الهام ناثان بالحكم، فلذلك قام ناثان بغفران خطيئة داود والحكم على الطفل بالموت بدلا من داود.
ولكن ما هو هذا العهد الذي قطعه الرب مع داود ؟ والذي على ضوئه عفى ناثان عن جريمة زنا داود وبششبع وقتل طفلها .
لا تضحك عزيزي القارئ من النص عندما ترى أن داود يعطي ((رشوة)) تُلجم الرب فلا يستطيع معاقبة داود على زناه فالرشوة هي كما في سفر صموئيل الثاني 7: 5 ((اِذْهَبْ وَقُلْ لِعَبْدِي دَاوُدَ: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: أَأَنْتَ تَبْنِي لِي بَيْتًا لِسُكْنَايَ لأَنِّي لَمْ أَسْكُنْ فِي بَيْتٍ مُنْذُ يَوْمَ أَصْعَدْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ، بَلْ كُنْتُ أَسِيرُ فِي خَيْمَةٍ وَفِي مَسْكَنٍ. لِمَاذَا لَمْ تَبْنُوا لِي بَيْتًا مِنَ الأَرْزِ؟))
هذا هو العهد الذي كان بين الرب وداود حيث تعب الرب من كثرة التنقل من خيمة إلى بيت ومن بيت إلى خيمة ولذلك طلب بناء بيت له مصنوع من خشب أرز لبنان. وفعلا شيّد داود بيتا جميلا لسكنى الرب من خشب ارز لبنان الفاخر.
خطأ داود هذا يجرنا إلى البحث في النص التالي الذي نتبين من خلاله لماذا تصر بعض المذاهب الإسلامية على أن النبي بشر يُصيب ويخطأ وانه غير معصوم يتصرف تصرفات عامة الناس يقول النص كما في مزمور 51 : 1 ـ 4 (( تحنن علي يارب يا الله حسب لطفك الحبي . حسب كثرة رحمتك امحُ معاصيِّ اغلسني كثيرا من ذنبي، ومن خطيتي ، لأني عارف بمعاصيِّ اليك وحدك اخطأت والشر أمام عينيك فعلت)) . فلا أدري من اين تسرب هذا الاعتقاد التوراتي لبعض المسلمين الذين تبنوا هذا الرأي وقالوا : بأن النبي بشر يُصيب ويخطأ . يعني بناء على هذه القاعدة فإن الانبياء يزنون ويسرقون ويكذبون لأنهم بشر يُصيبون ويخطئون . (1)
بناءا على كل ذلك فإن القاضي ناثان برر لداود فعلته بزناه بزوجة أوريا وقتله لزوجها ووضعه في نار الحرب فقال له في صموئيل 2 . 12 : 13 : ((فَقَالَ نَاثَانُ لِدَاوُدَ: الرَّبُّ أَيْضًا قَدْ نَقَلَ عَنْكَ خَطِيَّتَكَ ــ لابنك ــ لاَ تَمُوتُ. فَالابْنُ الْمَوْلُودُ لَكَ يَمُوتُ)) . طبعا وهذا يُناقض قول الرب في نفس الكتاب كما في سفر التثنية 24 : 16 ((لاَ يُقْتَلُ الآبَاءُ عَنِ الأَوْلاَدِ، وَلاَ يُقْتَلُ الأَوْلاَدُ عَنِ الآبَاءِ. كُلُّ إِنْسَانٍ بِخَطِيَّتِهِ يُقْتَلُ))
ونظرا لأهمية هذا التشريع فقد كرر الرب ذلك في مكان آخر من التوراة مشددا على الالتزام بالحكم فقال في سفر الملوك الثاني 14: 6 ((حَسَبَ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي سِفْرِ شَرِيعَةِ مُوسَى، حَيْثُ أَمَرَ الرَّبُّ قَائِلاً: «لاَ يُقْتَلُ الآبَاءُ مِنْ أَجْلِ الْبَنِينَ، وَالْبَنُونَ لاَ يُقْتَلُونَ مِنْ أَجْلِ الآبَاءِ. إِنَّمَا كُلُّ إِنْسَانٍ يُقْتَلُ بِخَطِيَّتِهِ )) ولذلك لا أستغرب عندما اجد قولا يقول للحسين بأنهم يقتلوه بغضا منهم لأبيه . فهذا القول مأخوذ من اسوأ احكام التوارة . وهو فعل القاضي ناثان الذي قرر قتل ابن داود بذنب ابيه لا بل أن الأسوأ من ذلك حصل حيث طُبق حكم التوراة على الذرية فتم قتل الاطفال والنساء وترويعهم وسبيهم واسرهم . لا بل أن هناك من المسلمين من يرى جواز التمتع بالسبي المقدس كما في قول احدهم : (( هب لي هذه الجارية)) .
المصادر ـــــــــــــ
1- كانت قريش الجاهلية التي تعبد الاصنام تتهم النبي بأنه بشر مثلهم يُصيب ويخطأ وبقوا على اعتقادهم هذا حتى بعد الاسلام وذلك مما يرويه في السلسلة الصحيحة للألباني الذي صححه : ((عن عبد الله بن عمرو قال كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه فنهتني قريش وقالوا أتكتب كل شيء تسمعه ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا فأمسكت عن الكتاب فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأومأ بأصبعه إلى فيه فقال اكتب فو الذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق)) مسند أحمد - الصفحة و الرقم: 11/56