فقه الحب والبغض في الله 17 : المرحلة الثانية في الأدلة على حكم الحب في الله تعالى ،المفاد النهائي لنصوص وجوب الحب في الله .

2020/06/01

بسم الله الرحمن الرحيم
الفقه . الدرس ١٧
 الاربعاء ٢٦ شهر رمضان.  ١٤٤١
 الحب والبغض في الله . المرحلة الثانية في الأدلة على حكم الحب في الله تعالى . المفاد النهائي لنصوص وجوب الحب في الله .

وما ذكرناه كاف ظاهرا في إثبات الحجة على وجوب  تحقق الحب في الله في الجملة .
وبه تبين بحسب ظاهر الأدلة أن البغض في الله واجب أيضا  .

المفاد النهائي لنصوص وجوب الحب في الله :
والمتحصل من النصوص المتقدمة ونظائرها مما يماثلها أنه يجب أن يتحقق الحب في الله  في الموارد التالية :

1_ مطلق الطاعات لله ، والبغض لمطلق المعاصي لله تعالى .

2_  للمؤمنين المتقين الذين هم القدر المتيقن من عنوان ( ولي الله ) أو ( أولياء الله ) كما تقدم تحقيقه في البحث عن معنى ( ولي الله ) .

3_ أما المؤمن الموالي العاصي فالظاهر من الدليل السادس والسابع أنه موضوع للحب في الله لما يتوفر عليه من لزوم موالاته لانطباق عنوان أنه موال لأوليائه الحقيقيين محمد وآله الطاهرين ، وللتصريح فيها بلزوم محبته حتى إن كان فاسقا .
 إن قلت : أن الفاسق لا بد أن يكون مبغوضا لأن طبيعة الفسق تقتضي البغض في الله ، بل لأن الله تعالى قال في كتابه ( وكره اليكم الكفر والفسوق والعصيان ) فكراهة العصيان لا تنفك عن كراهة العاصي والفاسق .

قلت : لا شك في كون الفسق مقتضيا للكره كما يقتضيه الطبع السليم ، وكما تنزل به القرآن الكريم ، ولكن الطاعة تقتضي الحب  حسب الطبع والتنزيل أيضا ، ولا مانع من اجتماعهما في متعلقين حتى إن صدرا من فاعل واحد ، فلا ضير من اجتماع حب صلاة وزكاة وصيام المصلي المزكي الصائم مع بغض كذبه وشربه للخمر وعقوقه لوالديه ، فهذا لا محذور فيه وإن كان الحب والبغض متضادين وذلك لتعدد متعلق كل منهما  ولا تضاد مع اختلاف الموضوع كما هو مقرر بالبداهة في المنطق .

وإنما المحذور ينشأ من سريان الحب والبغض من الفعل الاختياري الى فاعله  بمقتضى الطبع والسجية الاعتيادية للشخصية السليمة فكيف يكون الفاعل محبوبا مبغوضا في الله لكونه ممن خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا إذ لا يعقل اجتماع الحب والبغض في موضوع واحد بل لا بد أن يغلب الأقوى منهما على الاضعف وتنخفض درجته بمقدار ما يوجد من مرتبة ضعيفة في مقتضي ضده ، فإذا كانت الولاية أعظم الفرائض وأكثرها أهمية ، بل كان قبول عامة الفرائض مشروطا بها حتى الصلاة التي هي أعظم الفرائض العملية والتي هي بحسب ظاهر الأدلة شرط لقبول ما سواها من الفرائض العملية الاخرى كالزكاة والصيام والحج وغيرها .

فتكون الولاية سببا عظيما للتولي وللمحبة وإن كانت  المحبة التي تتفرع عليها أدنى مرتبة من مرتبة المحبة للموالي التقي البريء من الذنوب .
وهو ما جاءت به النصوص الشريفة العديدة التي إن لم يصح بعضها سندا فهي تصلح مؤيدا ، أو أنها بمجموعها يتحقق بها الوثوق  بصدور مضمونها المشترك فتتم بها الحجة على ذلك .

وهي _ مضافا لما تقدم من الحديث السادس والسابع _ تستفاد من الأحاديث التالية التي قد تكون خالية من اجتماع حجية السند مع ظهور الدلالة فلا تصلح الا للتأييد :
1_ ما رواه الكليني عن قَالَ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيه عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنْ حَفْصٍ الْمُؤَذِّنِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ع وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ع أَنَّه كَتَبَ بِهَذِه الرِّسَالَةِ إِلَى أَصْحَابِه وأَمَرَهُمْ بِمُدَارَسَتِهَا والنَّظَرِ فِيهَا وتَعَاهُدِهَا والْعَمَلِ بِهَا فَكَانُوا يَضَعُونَهَا فِي مَسَاجِدِ بُيُوتِهِمْ فَإِذَا فَرَغُوا مِنَ الصَّلَاةِ نَظَرُوا فِيهَا قَالَ وحَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ الْكُوفِيِّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الرَّبِيعِ الصَّحَّافِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مَخْلَدٍ السَّرَّاجِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ع قَالَ خَرَجَتْ هَذِه الرِّسَالَةُ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ع إِلَى أَصْحَابِه وفيها ( وعَلَيْكُمْ بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّه مَنْ حَقَّرَهُمْ وتَكَبَّرَ عَلَيْهِمْ فَقَدْ زَلَّ عَنْ دِينِ اللَّه واللَّه لَه حَاقِرٌ مَاقِتٌ وقَدْ قَالَ أَبُونَا رَسُولُ اللَّه ص أَمَرَنِي رَبِّي بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ واعْلَمُوا أَنَّ مَنْ حَقَّرَ أَحَداً مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَلْقَى اللَّه عَلَيْه الْمَقْتَ مِنْه والْمَحْقَرَةَ حَتَّى يَمْقُتَه النَّاسُ واللَّه لَه أَشَدُّ مَقْتاً فَاتَّقُوا اللَّه فِي إِخْوَانِكُمُ الْمُسْلِمِينَ الْمَسَاكِينِ فَإِنَّ لَهُمْ عَلَيْكُمْ حَقّاً أَنِْينَ ).

وهو يدل على عموم حب المساكين من المسلمين بنحو أكيد ، وعادة لا يخلو هذا العنوان من الذنوب فيتسع موضوع المحبة الى غير المتقين ولكنه يقف عند المساكين .

2_ ما ذكره النوري في مستدرك الوسائل عن عماد الدين الطبري في بشارة المصطفى : عن محمد بن شهريار ، عن محمد بن محمد البرسي ، عن محمد بن الحسين القرشي ، عن أحمد بن أحمد بن حمران ، عن [ إسحاق بن ] محمد بن علي المقرئ [ حدثنا عبد الله ] عن عبيد الله بن محمد الأيادي ، عن عمر بن مدرك ، عن محمد بن زياد المكي ، عن جرير بن عبد الحميد ، عن الأعمش ، عن عطية ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، أنه قال له في حديث : أحبب حبيب آل محمد عليهم السلام ما أحبهم ، وابغض مبغض آل محمد عليهم السلام ما أبغضهم ، وإن كان صواما قواما ، وأرفق بمحب آل محمد عليهم السلام ، فإنه إن تزل قدم بكثرة ذنوبهم ثبتت لهم أخرى بمحبتهم ، فان محبهم يعود إلى الجنة ، ومبغضهم يعود إلى النار .
 3_ ما ذكره النوري في مستدرك الوسائل القطب الراوندي في دعواته في كلام له : وأشار الرضا عليه السلام بمكتوبه : " كن محبا لآل محمد عليهم السلام وإن كنت فاسقا ، ومحبا لمحبهم وان كانوا فاسقين " .

ومن شجون الحديث ان هذا المكتوب هو الآن عند بعض أهل كومند قرية من نواحينا إلى أصفهان ما هي ووقعته ان رجلا من أهلها كان جمالا لمولانا أبي الحسن عليه السلام ، عند توجهه إلى خراسان ، فلما أراد الانصراف قال له : يا بن رسول الله ، شرفني بشئ من خطك أتبرك به ، وكان الرجل من العامة ، فأعطاه ذلك المكتوب .

4_  ما رواه النوري في مستدرك الوسائل عن  زيد النرسي في أصله قال : قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام : الرجل من مواليكم ، يكون عارفا ، يشرب الخمر ويرتكب الموبق من الذنب ، نتبرأ منه ، فقال : " تبرؤوا من فعله ، ولا تتبرؤوا منه ، أحبوه وأبغضوا عمله " قلت : فيسعنا ان نقول : فاسق فاجر ، فقال : " لا ، الفاسق الفاجر الكافر ، الجاحد لنا الناصب لأوليائنا ، أبى الله أن يكون ولينا فاجرا وان عمل ما عمل ، ولكنكم تقولون فاسق العمل ، فاجر العمل ، مؤمن النفس ، خبيث الفعل ،طيب الروح والبدن " .

وزيد النرسي وان كان معتبرا لكونه ممن روى عنه ابن أبي عمير ، وابن قولويه في كامل الزيارات بل والقمي في تفسيره _بحسب أغلب الظن فقد ورد فيه البرسي وليس النرسي مع كون عامة القرائن تدل على أنه هو هو _  لكن ابن الوليد طعن بكتابه وذكر ان الهمداني قد وضعه وخطأه ابن الغضائري في ذلك ، وروى عن النرسي الصدوق الذي يقتفي أثر شيخه ابن الوليد في مواضع كثيرة من كتبه مما يقرب أن للكتاب طريقا آخر معتبرا، وذكر النجاشي الكتاب  وذكر طريقه اليه، فقال: زيد النرسي روى عن أبي عبد الله وأبى الحسن عليهما السلام.

له كتاب يرويه جماعة. أخبرنا أحمد بن علي بن نوح قال: حدثنا محمد بن أحمد الصفواني قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن زيد النرسي بكتابه.

وهو طريق صحيح، كما ذكر السيد الخوئي ، كما ان طريق الشيخ اليه صحيح  أيضا.

فزيد النرسي معتبر، وكتابه له طريق معتبر ، وله طريق ضعيف فإذا رُوينا عن كتابه اشتبه علينا الحال ولم يسعنا الأخذ به وإذا روي اليه بالطرق المعتبرة فهو معتبر بلا إشكال .  

والمطلب ما زال بحاجة الى فحص وتحقيق خصوصا وأنه قد وردت لدينا روايات تدعو الى بغض العاصين .   


السيد حسين الحكيم


*ملاحظة " بحث استدلالي فقهي رمضاني في موضوع أخلاقي قد تكون فيه أحكام شرعية إلزامية فيها نصوص قرانية وحديثية كثيرة ولكنها لم تأخذ نصيبها المناسب من البحث الفقهي علما أن المدونات لا تمثل الرأي النهائي بل هي خلاصة للمسودة التي تطرح للمناقشة في الدرس"
أخترنا لك
معاناة طالب علم

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة