الحب والبغض في الله 11 : المرحلة الثانية في الأدلة على حكم الحب في الله تعالى . المقام الأول في الدليل القرآني .

2020/06/01


بسم الله الرحمن الرحيم
الفقه . الدرس ١١ الأحد  . ١٦ شهر رمضان.  ١٤٤١
 الحب والبغض في الله . المرحلة الثانية في الأدلة على حكم الحب في الله تعالى . المقام الأول الدليل القرآني  ، المقام في الدليل من السنة . مطلوبية الحب في الله من الضروريات .

المرحلة الثانية في الأدلة على حكم الحب في الله تعالى
 
وقد اتضح مما تقدم شدة حسن الحب في الله وبيان مناشئه الأخلاقية  المطابقة للطبع السليم والنصوص في أصل رجحانه متواترة توجب القطع بصدورها. المقام الثاني في
ويحسن البحث في مقامين  
الأول : الحب في الله في آيات القران الكريم:
إذا نظرنا الى هذه المسألة بالمنظار القرآني سنلاحظ ما يلي :
1_ لم أظفر بما يصلح وحده لإثبات الوجوب لمطلق الحب والبغض في الله تعالى.
 2_ ورد بعضها في القرآن الكريم دون أن ينص فيها على كون (الحب في الله ) ، ولكنه القدر المتيقن من اطلاقها لأنه أبرز مصاديق الحب  بين المؤمنين من قبيل قوله تعالى : (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا ) اذ من الواضح جدا أن حبهم لمن هاجر اليهم في الله تعالى وهو عز وجل في مقام مدحهم بذلك، دون أن يتضح كون ذلك وجوبا أو استحبابا، وكذا قوله تعالى : (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ  لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ  إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) ، وقوله تعالى : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) إذ لا إشكال عرفا في كون الموالاة بطبيعتها تقتضي المحبة وتستلزمها استلزاما عرفيا طبعيا .
ولعل أهم الآيات في المقام من جهة صلاحيتها للاستدلال على محل البحث  هي قوله تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ) إذ من الظاهر فيه أن حبب الايمان وبغض الكفر والفسوق والعصيان عند المؤمنين من أوضح مصاديق ( الحب في الله ) و ( البغض في الله ) بل هو ما يتفرع عليه غالب مصاديق حب الله فحب الايمان يورث بطبعه حب المؤمنين بعضهم لبعض ، وبغض الكفر والفسق والعصيان إنما منشأه حب الله والايمان به فهو بغض في الله ، وتتفرع عليه عامة موارد البغض في الله .
وخصوصا إذا أخذنا بنظر الاعتبار ما ورد من النصوص الشريفة في تفسير هذه الآية.
 منها : ما رواه الكليني ره عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد ، عن حريز ، عن فضيل بن يسار قال : سألت أبا عبد الله ( عليهم السلام ) عن الحب والبغض ، أمن الايمان هو ؟ فقال : وهل الايمان إلا الحب والبغض ؟ ثم تلا هذه الآية " حبب إليكم الايمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون . والسند معتبر ، وظاهره أنه لا ينفك عنه خارجا، ولكنه يحمل ظاهرا  على الالزام التشريعي لوضوح إمكان الانفكاك الخارجي بين الإيمان والحب في الله فيكون من قبيل (لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) اذ قد تقع كثيرا مودة المؤمنين لمن حاد الله ورسوله من اقاربهم .
ومنها : ما رواه الكليني عن عدة من اصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن علي بن عقبة ، وثعلبة بن ميمون ، وغالب بن عثمان ، وهارون بن مسلم ، عن بريد بن معاوية قال : كنت عند أبي جعفر ( عليه السلام ) في فسطاط له بمنى فنظر إلى زياد الأسود منقلع الرجل فرثا له فقال له : ما لرجليك هكذا ؟ قال : جئت على بكر لي نضو فكنت  أمشي عنه عامة الطريق ، فرثا له وقال له عند ذلك زياد : إني ألم بالذنوب حتى إذا ظننت أني قد هلكت ذكرت حبكم فرجوت النجاة وتجلى عني فقال أبو جعفر ( عليه السلام ) : وهل الدين إلا الحب ؟ قال الله تعالى : ( حبب إليكم الايمان وزينه في قلوبكم )، وقال : (إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) ، وقال : (يحبون من هاجر إليهم ).

إن رجلا أتى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال يا رسول الله أحب المصلين ولا أصلي وأحب الصوامين ولا أصوم ؟ فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أنت مع من أحببت ولك ما اكتسبت وقال : ما تبغون وما تريدون أما إنها لو كان فزعة من السماء فزع كل قوم إلى مأمنهم وفزعنا إلى نبينا وفزعتم إلينا . والسند معتبر أيضا

بل قد يندرج في ذلك قوله تعالى ( أشداء على الكفار رحماء بينهم ) ، وقوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)، وقوله تعالى : ( الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ )، وقوله تعالى : (اِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدّاً) ما لم تكن الأحاديث الواردة في تفسيره تبين اختصاصه بآل محمد صلوات الله عليهم فيرتفع اطلاقه لغيرهم فيكون خاصا بهم وليس عاما شاملا لعنوانه وأنهم صلوات الله عليهم أظهر مصاديقه ، كما في آية الولاية التي لا إشكال في اختصاصها بأمير المؤمنين عليه السلام، وعدم شمولها لغير الأئمة من بعده على ما فصلناه من البحث فيها في مفهوم الحصر من مباحث الألفاظ في أصول الفقه .
3_ دلت بعض آيات الكتاب على وجوبه في بعض الموارد كما في آية المودة في القربى ، وآية الولاية بحسب ما في معنى التولي لله و للنبي وأمير المؤمنين عليه السلام من دلالة التزامية على الحب لله، والحب في الله تعالى .
4_ والمهم في المقام أن موضوع الحب في الله من الموضوعات التي نجدها منسجمة جدا مع المفاهيم القرآنية خصوصا إن لاحظنا نصوص حب الله تعالى .
 وبناء على ذلك فليست النصوص الحديثية الواردة في الحب في الله غريبة على المنهج القرآني فهي من هذه الجهة أخبار موافقة للكتاب، لا مخالفة له .
الثاني : الحب في الله في السنة الشريفة :
لا يكاد يتردد الناظر في نصوص السنة الشريفة التي حثت على الحب والبغض في الله بالجزم في أصل كونهما مطلوبين وبذلك يتحقق معنى التواتر بالنحو الذي يناسب التحقيق الاصولي في حقيقته، بل الأمر بعد ملاحظة المجموع من النصوص القرانية والحديثية وارتكاز المتشرعة يكون من الضروريات التي لا يقع الشك فيها لدى الباحث المنصف الا بسبب الابتلاء بشبهة أو نقص في الايمان .
ومن هنا لا نجد من متطلبات البحث أن نراجع عامة النصوص الواردة في الحب والبغض في الله بل نركز الكلام على النصوص التي تدل على الوجوب أو الاستحباب
   فالكلام إنما هو في كونه واجبا أو مستحبا بعد التسليم التام بالجامع بين الوجوب والاستحباب وهو أصل المطلوبية .
فينبغي أن نذكر ما قد يستدل به على الوجوب أولا ، ثم نذكر ما قد يستدل به على الاستحباب بالمعنى الذي ينافي الوجوب ثانيا وذلك في نقطتين رئيستين :
النقطة الأولى : في الأدلة على الوجوب وهي عديدة :
أخترنا لك
الحب والبغض في الله 13 : المرحلة الثانية في الأدلة على حكم الحب في الله تعالى . المقام الثاني في الدليل من السنة . ال

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة