نظام القبائل عند العرب في الجاهلية

2020/05/10

#السيرة_١٢

نظام القبائل عند العرب في الجاهلية:
لم يكن للعرب حكومة مركزية كالتي كانت في الفرس والروم، بل اجتماع ثلة منهم على أساس النسب العائلي المشترك يدعى القبيلة، وينحصر نطاق الحكم لكل قبيلة في المكان الذي اختارته لسكنها، ولا علاقة لها بالقبائل الأخرى، وهذا النمط من الحياة عندهم أدى لتشتتهم وغياب الحكومة المركزية في الجزيرة، ووجود الاختلاف آية على انعدام التنظيم المتماسك والعلاقات الموحدة بين الجماعات المتنوعة التي كانت تعيش في تلك البيئة، كل ذلك بسبب أوضاعهم الفكرية والثقافية والجغرافية والاقتصادية، ولأجل الوحدة تحتاج الأمة إلى ثقافة تجمع قواسمها المشتركة وتوحدها حول فکر وهدف واحد، ولم يكن مثل ذلك موجوداً عندهم، فكان لكل قبيلة في جوار الكعبة صنم خاص بها، وكانت المناطق الصالحة للسكن متباعدة، وكانت المنابع الاقتصادية في الجزيرة محدودة ولا مناص من حدوث القتال بينهم، وكانوا يتسابقون ويتقاتلون على الأراضي للرعي، وبما أن النزعة الفردية موجودة بشدة، والقبائل تفكر في مصالح أبنائها، فلا يتسنى أن نجد حكومة مركزية، ولا نتيجة لذلك إلا التشتت، وكانت السيطرة على العرب متعذرة بسبب حياتهم البدوية، ونُقل أن النعمان ملك الحيرة أجاب کسرى حين سأله عن السبب الذي جعل العرب غير خاضعين لحكومة واحدة بأن الشعوب جعلت زمام أمورها بيد أسرة واحدة وفوضت إليها شؤونها لشعورها بالضعف وخوفها من هجمات الأعداء، أما العرب فكلهم يريدون أن يصيروا ملوكاً.

طبيعة القبيلة وقضاياها:
كان أفضل خيار للعربي في بيئة عشائرية قبلية أن يعيش مع الجماعة، ليقارع المشكلات التي تواجهه فكانت تسمى الجماعة المتحدة القائمة على أساس التعايش والقرابة والنسب المشترك: القبيلة، وكانت مصالح الأفراد هي مصالح القبيلة عينها، فعليهم أن يذودوا عنها كما يذودون عن أنفسهم، فالمشكلات في القبيلة تقع على عاتق جميع أفرادها، ويستعد كل شخص للتضحية والإيثار من أجل قبيلته، من هنا كان للحسب والنسب قيمتهما عند العرب، وكلما زاد أفراد القبيلة زاد فخرها إذ تشعر بزيادة قوتها، وإذا ازداد عدد أفراد القبيلة فلا بد من تفرقهم لضيق البيئة عن استيعابهم، فتتفرق القبيلة الأولى تدريجاً وتظهر قبائل متعددة من داخلها، وقد تتحد القبيلة أمام العدو، في حين يتنازع أفرادها فيما بينهم.

وتطلق القبيلة في الحقيقة على أضخم تجمع سكاني تربطه علاقة النسب والحياة المشتركة نوعاً ما، وتأتي بعدها (العمارة) كقریش من قبيلة مضر، تليها البطون كبني هاشم من قریش، ثم (الفصيلة) كبني أبي طالب.

المعايير القيمية لعرب الجاهلية تعود في الحقيقة إلى القيم القبلية، فقيمة كل فرد في القبيلة تتبع موقعه ونفوذه فيها، وكان رؤساء القبائل يجتازون أعلى القيم وكان لهم اتخاذ القرار في شؤون القبيلة كالحرب والسلم وعقد الأحلاف، وكان لهم مطلق الحرية في رفض رأي الأغلبية، وكان العبيد والإماء مشغولون في خدمة القبيلة، وكان النسب معيار قيَمي أيضاً، فإن الذي أبواه من نفس القبيلة يصل ذروة القيم، أما إذا كانا من قبيلتين مختلفتين فهو في مرحلة أوطأ من القيم للقبيلة، وإذا كانت الأم غير عربية فإنه يُعاب باسم الهجين، وكانوا يصرون على قضية العروبة والعُجمة حتى إن النعمان ملك الحيرة الذي كان عميلاً لكسرى رفض أن يزوجه ابنته.

وكانت الشجاعة من معايير القيمة أيضاً، فكان لأبطال القبائل وفرسانها وشجعانها الذين كانوا يتولون حمايتها في الحروب الشرف والقيمة، وكان الشعراء والخطباء يضاعفون مفاخر قبائلهم بشعرهم وخطبهم، وبهجاء أعدائهم. كما أن النّسابين كانوا بارعين في ذكر مثالب الآخرين ومناقب قبائلهم، لذا كانت لهم منزلتهم المناسبة.

وكانت رئاسة القبيلة تنتقل إما بالوراثة أو من كان فيه مجموعة خصال، أو من كان الأكبر سناً أو مالاً أو نفوذاً، وقيل: كان يوضع على باب بيت الرئيس علامة تدل على رئاسته، وينبغي الالتفات إلى أن النظام القبلي يتلخص في طاعة أفراد القبيلة للرئيس، وليس لهذه الطاعة منطلق سياسي، بل تنبثق من الروح العنصرية والنسبية للقبيلة المتجلية في رئيسها، حتى أنبأ القرآن أن المشركين كانوا يصرون على طاعة آبائهم وأجدادهم حتى لو لم يكن لهم تعقّل.

وكانت كل قبيلة، تأخذ على عاتقها مسؤولية الرد على عدوان القبائل الأخرى، حتى قال شاعرهم: يُغار علينا واترين فيشتفى * بنا إن أُصبنا أو نُغير على وتر، قسمنا بذلك الدهر شطرين بيننا * فما ينقضي إلا ونحن على شطر،
ويظل الفرد مدعومة في العشيرة حتى لو كان مخالفاً لها في الفكر والعقيدة، وكان مؤمن بني هاشم وكافرهم كلاهما يدافع عن النبي (ص).

وهناك في ثنايا تاريخ العرب ما يعرف بأيام العرب وهي الحروب الكثيرة التي كان سببها النزاع بين القبائل، وأشهرها حرب البسوس، وهي حرب طاحنة استمرت ٤٠ سنة بسبب ناقة! وحرب داحس والغبراء بسبب رهان على فرس! وحروب الفجار وغيرها.

يقول ابن أبي الحديد: (وكانت العرب لا ترى الغدر، ولا تنقض البيعة صواب كانت أو خطأً)، وهذه التربية التي ظلت ماثلة بين بعض الأفراد حتى بعد النبي (ص) أفضت إلى أحد الانحرافات الكبيرة، فعندما بايع الأنصار أبا بكر، التقوا بأمير المؤمنين (ع) وقالوا له: لو دعوتنا إلى نفسك قبل البيعة لما عدلنا بك أحداً، ولكنا قد بايعنا فكيف السبيل إلى نقض البيعة بعد وقوعها؟ في حين هم أنفسهم كانوا قد بایعوا الإمام علي يوم الغدير، بيد أنهم لم يفوا ببيعتهم لأسباب سياسية.

إن العامل الذي حال دون تفرق القبيلة وتشتتها هو الحمية والتعصب الذي كان موجوداً عند أفرادها، كما فصّلناه في البحث السابق، ورفض الإسلام المعايير القيمية وطبيعة حياة القبيلة التي تمثل عامل التفرقة والتشتت، وسعى إلى استبدال النزاعات الجاهلية بالإيمان والتقوى، ووحّد بين القبائل بنحو أثار إعجاب أبي سفيان إذ رأى القبائل المتشتتة تطيع رجلا واحد، ولا شك إن تأليف أمة واحدة من قبائل وجماعات اعتادت طوال سنين مديدة من التاريخ على التناحر والتنازع وسفك الدماء، في مدة قصيرة، يعتبر إعجازاً اجتماعياً، لأن مثل هذا التحول إذا أريد له أن يتم اعتيادياً لاحتاج الى تربية طويلة الأمد ووسائل كثيرة، قال (ص): (کلکم من آدم وآدم من تراب لیس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى)، وقال: (لا تأتوني بأنسابكم وأتوني بأعمالكم)، وقال أمير المؤمنين (ع): (فإن كان لا بد من العصبية فليكن تعصبكم لمكارم الخصال، ومحامد الأفعال...).

المصادر/
١- سيرة سيد الأنبياء والمرسلين محمد (ص) جامع المحامد كلها، رسول جعفريان.
٢- دروس في السيرة النبوية ج١، د. الشيخ عدنان فرحان آل قاسم.
٣- سيد المرسلين ج١، محاضرات الشيخ جعفر السبحاني، بقلم جعفر الهادي.

الباحث المحقق t.me/Albaaheth
أخترنا لك
سبب قلة الاهتمام بالبحث عن الإله والدين رغم فطريته

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف