الهوى أُس المحن

2021/12/18

الهوى أُس المحن

قال تعالى في جليل خطابه ومحكم كتابه
بسم الله الرحمن الرحيم

(أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّىٰ * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَىٰ *
أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَىٰ* تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ *
إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ۚ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَىٰ )

١- إنّ جُلّ محننا ، إن لم نقل كلها هي بسبب الرغبات والاهواء الغير خاضعة لقانون المنطق والعقل والعقلاء ، الذي يتلائم مع قانون السماء ، الذي كيفه الله سبحانه وتعالى ودرّجه شريعة تلو شريعةٍ، الى ان وصل الامر الى خاتمة الرسالات وخلاصتها ، وما مصائب الامم عِبر التأريخ الانساني الا بسبب الاهواء والرغبات المنحرفة غير المنظبطة على ميزان ومعيار عقلائي ديني .

٢-وهنا في هذه الايات الشريفات يتناول القرآن الكريم أفكار المشركين المبنية على الاهواء ، فينقضها ويتحدث عن معتقداتهم الخرافية.. فيقول: بعد أن أدركتم عظمة الله وآياته في خلقه فهل أن أصنامكم مثل اللات والعزى والصنم الثالث وهو " مناة " بإمكانها أن تنفعكم أو تضركم: أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى (١)؟!
ويرد على افكارهم ومعتقداتهم بسلوب استهزائي ، مستخدما ادوات الاستفهام الاستنكاري.

٣-مما هو واضح وبين في تاريخ الجاهلية انهم كانوا يأدون البنات ، وانهم (واذا بشر احدهم بالانثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم ) كما عبّر القرآن الكريم عن تلك الحالة الذكورية الاجتماعية المقيته التي لاتمت للانسانية بصلة .

٤-ويردهم القرآن على انكم بتسميتكم آلهتكم بالاناث ، وانها انما تقربكم الى الله زلفى ، انما هو عين التضاد، والتصرف غير العقلائي ( أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَىٰ* تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ ) اي غير عادلة ومنصفة ، فمن جهة انهم لايرغبون بالاناث ويعيرون من تتولد عنده البنات ، ومن جهة اخرى يسمون آلهتهم بكلمات دالة على الاناث وبصيغة التأنيث .

٥-والذي يدقق ويتمعن اكثر في ذلك المجتمع القّبلي الذي كانت تتحكم به الاهواء والمغريات والرغبات ، يجد انهم انما كانوا يعكفون على عبادة تلك الاصنام التي لاتضر ولاتنفع ، وذلك لان المصلحة الذاتية الضيقة اقتضت ان تبقى تلك العادات هي السائدة حتى وان ادركوا عظمة الله وعظت اياته ، لأنهم باذعانهم لله ولأياته سيخسرون سيادتهم ، وسلطتهم وتحكمهم بالناس ظلماً وعدواناً

٦-ثم إن القرآن الكريم وباسلوب تحليلي لذلك المجتمع يبين ان عبادتهم لتلك الاصنام وتسمايتها ليس عن قناعة واعتقاد ووفق حجة ودليل ، وانما هو اتباع الابناء للاباء وان هو الا ظن لايغني عن الحق شياء سواء كان بالشكل او المضمون (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ۚ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ...)

٧-ثم يُصعد القرآن اكثر في توبيخهم فيقول (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَىٰ )
اذ ان تبعيتهم في عبادتهم لتلك الاصنام بغير دليل وبرهان ، وركوب لهوى الانفس مع وجود الحجة والدليل والبرهان على الهدى الذي جاء به النبي الخاتم محمد (صلى الله عليه وآله )
ومن هذه الايات الشريفات نستفيد عدة دروس وهي:-
أ- ان الانسان مجبول بالفطرة على اعتناق عقيدة ارضية كانت او سماوية
ب- ان العقيدة التي تُعتنق لابد ان تكون عقيدة منجية للأنسان دنياً واخرى ، وليس تبعا لما املته القبلية وما عليه الاباء ،من دون النظر بسقيمها وفسادها ، او صحتها .

ج-ان تكون العقيدة خاضعة للمعايير المنطقية العقلية البرهانية ، خصوصا فيما اذا كان هناك برهان وحجة دامغة على عقيدة جاء بها نبي خاتم لديه دليل وحجة واعجاز على شريعته ،وليس ركوناً للظن الذي لايُغني عن الحق، وليس مجرد اهواء تتبع.

د- ان الاهواء واتِباعها في كل شيء ماهو الى سبيل من سبل الانحراف والحياد عن طريق الحق ، وسقوط في حبائل وشراك الهوى الذي هو سبيل الشيطان .
وهذا هو بلاء الشعوب المستضعفة التي بدء تصدير الامور الماجنة اللاخلاقية اليها عِبر هذه التكنلوجيا الالكترونية الهائلة اليها ، وبالاخص منها الشبكة العنكبوتية التي ان احسنّا استخدامها اصبحت سيفا بتارا في ايدينا ، نقاتل به من يريد غزونا ثقافيا .
لكن المصيبة الكبرى والداهية العظمى هي ان البعض منا بلع الطعم وتأثرا سلبا فيها ، فهلا من يقضة يا شعوب العالم الى ما يراد لنا.
٨- ولقد جاءت روايات عديدة تحذر من الخطر الفادح من الهوى وركوب سبيله منها :-

- روي عن النبي الاعظم( صلى عليه وآله ) :- ( انما سمي الهوى هوى لانه يهوي بصاحبه ) (٢)

️- وروي عنه (صلى الله عليه وآله ) ايضا :- ( ان ابليس قال اهلكتهم بالذوب فاهلكوني بالاستغفار فلما رايت ذلك اهلكتهم بالاهواء ، فهم لا يستغفرون يحسبون
انهم مهتدون) (٣)

- -️الامام علي (عليه السلام ) ( الهوى أُس المحن )ن️ (٤)

- الامام علي ع :- ( الهوى مطية الفتن ) (٥)

️- الامام علي ( ع) :- ( انما بدء الفتن اهواء تتبع واحكام تبتدع ) (٦)

- وجاء عن زيد بن صوحان انه قال يا امير المؤمنين اي سلطان اغلب واقوى قال سلطان الهوى ) (٧)


عائد الغانمي

*****************
(١)تفسير الامثل
(٢)المعجم عن سنن الدارمي
(٣) الترغيب والترهيب ج١ ٨٧
(٤) غرر الحكم
(٥)غرر الحكم
(٦)نهج البلاغة الخطبة ٥٠
(٧)البحار ج٧٠ ٧٦

٢٠٢١١٢١٨_١٨١٣٤٩

أخترنا لك
المنافقون خارجون عن دائرة الطاعة

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف