الاسلوب البلاغي في مواعظ امير المؤمنين عليه السلام/ كلماته القصار إنموذجا ج٢

2021/12/15


الحمد لله على أفضاله ونواله، والصلاة والسلام على مقدام أنبيائه وقدوة أصفيائه وعلى عترته وآله البررة الميامين سيما ابن عمه ووارث علمه علي أمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين واللعنةالدائمة على أعدائهم أجمعين.
قال امير المؤمنين عليه السلام
كان لي فيما مضى أخ في الله، وكان يعظمه في عيني صغر الدنيا في عينه، وكان خارجا من سلطان بطنه فلا يشتهي ما لا يجد، ولا يكثر إذا وجد، وكان أكثر دهره صامتا. فإن قال بدّ القائلين ، ونقّع غليل السائلين( ١).
وكان ضعيفا مستضعفا.
فإن جاء الجد فهو ليث غاب وصل واد (٢)، لا يدلي بحجة حتى يأتي قاضيا (٣).
وكان لا يلوم أحدا على ما يجد العذر في مثله حتى يسمع اعتذاره (٤)، وكان لا يشكو وجعا إلا عند برئه. وكان يفعل ما يقول ولا يقول ما لا يفعل. وكان إذا غلب على الكلام لم يغلب على السكوت.
وكان على ما يسمع أحرص منه على أن يتكلم. وكان إذا بدهه أمران (٥) نظر أيهما أقرب إلى الهوى فخالفه. فعليكم بهذه الخلائق فالزموها وتنافسوا فيها، فإن لم تستطيعوها فاعلموا أن أخذ القليل خير من ترك

1- يستمر الامام امير المؤمنين عليه السلام في كلامه عن ذاك الذي اسماه (كان لي فيما مضى اخ ..) انه كان يمتاز بجملة من الخصال والطباع التي تعتبر خصال وصفات كمال فهو يبدو لأول وهله ضعيفا مستضعفا في ايام السلم وفي حالات الاسترخاء وعدم الجد
ولكن ان جاء وقت الجد والعمل رأينا هذا الشخص كما عبّر عن الامير ع (ليث غاب ) كناية عن الشجاعة والقوة والمنعة ،( وصل واد ) نوع من انواع الحيات ، كناية عمن يجرع اعداءه السم
_ونستفيد من هذا المقطع الذي تحدث عنه الامام ع ان الشجاعة والهمة مطلوبة ، وعلى الانسان التحلي بها فهي من صفات الكمال
قال علي ع (شجاعة الرجل على قدر همته) غرر الحكم
_ قال امامنا الصادق عليه السلام:- ( ثلاث يحجزن المرء عن طلب المعالي : قصر الهمة ، وقلة الحيلة ، وضعف الرأي ) تحف العقول ص ٢٣٤

ثم يقول ع( لايدلي بحجة حتى يأتي قاضيا ) عطفا على كان
اي وكان يجابه الرجال في الكلام الى الحد الذي انه اذا احضر ادلته وحججه ، كانت بمثابة ادلت وحجج القاضي .

٢ - ثم يقول عليه السلام(وكان لا يلوم أحدا على ما يجد العذر في مثله حتى يسمع اعتذاره )
يبين الامام ع هنا صفة انسانية ينبغي على كل انسان ان يتصف بها وهي ترك الملامة .
ولكن ليس على نحو الاطلاق وانما في حالات يكون المطلوب فيها تركه مثل حالات العذر ، اي الانسان فعل ذلك الفعل الذي يلام عليه اذا لم يطُلع على العذر الذي ادى به الى فعله .
فالامام يقول هذا الاخ كان لايوجه الملامة لاحد رأساً الى ان بسمع عذره .
٣- وكان لا يشكو وجعا إلا عند برئه
من الامور التي ندبت اليها الشريعة هي ترك حالة الشكوى للاخرين
وهذه حالة متداولة كثيرا عند بعض الناس ، وقد تصل الى حدٍ انها تصبح طبعاً يتطبع عليه البعض فهو لا ترتاح نفسه الا اذا اشتكى واسمع الاخرين همومه ومشاكله ،
ويصنعها البعض متصورا انها نوع من انواع رد حسد الحساد الاخرين
او التضاهر بعدم الراحة .
والمغزى من عدم الشكوى سواء على مستوى علل لابدان ، او علل ومشاكل الحياة الاخرى ، هو ان لايؤدي ذلك الى بروز حالة الحسد الكامنة في النفس للاخرين ، وانهم منعمين بينما صاحب الشكوى مبتلاء بالعلل والمشاكل .
٤- وكان يفعل ما يقول ولا يقول ما لا يفعل
من الصفات القبيحة، والتي تعد صفة من صفات المنافقين ، والكاذبين الذين ادمنوا الكذب والنفاق ، هي صفة ان لايفعل الانسان ما يقول ، ويقول ما لا يفعل
يقول الامام ع هذا الاخ كان عكس هذه الصفة
اي انه كان يفعل ما يقول ، ولايقول ما لا يفعل
فالشيء الذي كان متأكدا من انه سيفعله يقوله ، ومالا يقدر على فعله فلا يقوله .
*والكذب آفة اخلاقية عظيمة تناولها البلري جل وعلا في القرآن الكريم في قرابة عشر سور
فمثلا قال تعالى (( إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ )) النحل آية ١٠٥

* وعلى مستوى الروايات فهناك كم هائل من الروايات التي تحذر منه

-- ورد عن النبي الاعظم صلى الله عليه وآله( اذا كذب العبد كذبة تباعد الملك منه مسيرة ميل من نتن ما جاء به )
شرح نهج البلاغة ج٦ ص ٣٥٧
--وعنه ص ايضا ( لا يكذب الكاذب الامن مهانة نفسه عليه ) كنز العمال ح ٨٢٣١٢

-- وعن امامنا الباقر عليه السلام
(إنّ عزوجل جعل للشر اقفالا وجعل مفاتيح تلك الاقفال الشراب ، والمذب اشر من الشراب ) البحارج ٧٢ ص ٢٣٦



________________
(٢) الليث: الأسد. والغاب: جمع غابة وهي الشجر الكثير الملتف يستوكر فيه الأسد.
والصل بالكسر: الحية. والوادي معروف. والجد
بالكسر: ضد الهزل
(٣) أدلى بحجته: أحضرها .
(٤) أي كان لا يلوم في فعل يصح في مثله الاعتذار إلا بعد سماع العذر (٥) بدهه الأمر: فجأه وبغته
* غرر الحكم 

٢٠٢١١٢١٥_١٥٣٣٤١

أخترنا لك
أس الفساد النفاق

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف